كان يا مكان، في قرية صغيرة هادئة محاطة بالجبال والغابات، كانت الحياة بسيطة وهادئة. كان سكان القرية أناسًا مجتهدين. كانوا يزرعون الأرض، ويربون الحيوانات، وفي المساء يجتمعون في الساحة الرئيسية لتبادل أحداث اليوم.

في صباح أحد الأيام، ركض صياد يدعى أحمد، يعيش على أطراف الغابة، إلى ساحة القرية في يأس. لم يعد ابنه الصغير علي إلى المنزل مساء اليوم السابق من الجدول حيث كان يلعب دائمًا. أراد الجيران المساعدة فورًا وبحثوا معًا في الغابة، لكن دون جدوى – اختفى الصبي دون أن يترك أثرًا. سرعان ما انتشر الذعر في القرية. في اليوم التالي، عانت عائلة أخرى من نفس الرعب عندما اختفت ابنتهم ليلى أثناء لعبها في المرج خلف منزلهم. تدريجيًا، أصبحت حالات الاختفاء حدثًا يوميًا.

لم يتمكن سكان القرية من فهم ما كان يحدث. لم يسمع أحد أصواتًا غريبة أو يرَ غرباء في المنطقة. بدا وكأن قوة غير مرئية قد أخذت الأطفال. كانت الأمهات يبكين كل يوم، بينما كان الرجال يجتمعون لمعرفة ما يجب فعله.
بعد مرور بعض الوقت، بدأت شائعة تنتشر: ربما كان هناك تنين شرير يعيش في أعماق الغابة وراء كل هذا. كان الشيوخ يعرفون هذا الكائن من الحكايات القديمة. قيل إنه أرهب المنطقة منذ قرون قبل أن يختفي عن الأنظار. الآن، بدا وكأنه عاد ليجلب الخوف إلى القرية مرة أخرى.

قرر قادة القرية طلب المساعدة من الملك. انطلقت بعثة صغيرة إلى القصر لإبلاغه بما حدث. الملك، المعروف بعدله، أخذ الخبر على محمل الجد. – تنين! لا يمكن لمثل هذا الوحش أن يبقى دون عقاب في مملكتي! – أعلن، وأضاف: – من يهزم التنين ويعيد الأطفال سيُكافأ بكيس كبير من الذهب!

تقدم العديد من الفرسان الشجعان، يرتدون دروعًا كاملة، حتى من أراضٍ بعيدة، ويبدو أن عددهم لا حصر له تقريبًا. تبعوا أثر التنين جميعًا ودخلوا الغابة، لكن الطريق كان خطيرًا وغير متوقع. ضل بعضهم طريقهم بالقرب من حافة الغابة، بينما سمع آخرون، الذين توغلوا أعمق، أصواتًا غريبة ومرعبة ملأتهم بالخوف. بعد فترة، بدأ الفرسان في مواجهة بعضهم البعض.
– لماذا تسلك هذا الطريق؟ هذه أرضي! – صرخ أحدهم. – مكافأة الملك لي! ارجع وإلا ستضطر لمواجهتي! – رد الآخر.

بسبب جشعهم وخلافاتهم المستمرة، لم يصل الكثيرون حتى إلى التنين. أما الذين واجهوه فقد قللوا بوضوح من قوته. كانت نيران التنين تحترق بحرارة تفوق كل ما رأوه من قبل، وأجنحته تسببت في عواصف مع كل حركة. لم يثبت أي محارب أنه جدير بهزيمته.
استمر سكان القرية في الأمل، لكن أصبح من الواضح بشكل متزايد أن لا أحد يستطيع التغلب على التنين. أصبحت قلوب الأمهات والآباء مثقلة عندما بدأوا يخشون أنهم قد لا يرون أطفالهم مرة أخرى أبدًا.

ومع ذلك، كان هناك شخص واحد، النجار البسيط سامي، الذي راقب الأحداث بصمت. على الرغم من أنه لم يكن محاربًا ولم يُذكر اسمه بين الفرسان، قرر سامي أنه سيفعل شيئًا أيضًا. بينما كان جالسًا في ورشته، تذكر قصة كان جده الأكبر يرويها له كثيرًا بجانب النار عندما كان طفلاً. تحدث جده الأكبر عن شجرة ساقطة خاصة جدًا. كانت هذه الشجرة ذات يوم شجرة بلوط قوية وعظيمة، ولكن خلال عاصفة رهيبة، ضربتها صاعقة، واقتلعتها من جذورها وألقتها على أرض الغابة. وعلى الرغم من أن جذعها قد تحطم واعتقد الجميع أنها ماتت، إلا أنها بطريقة غير مفسرة بقيت على قيد الحياة.
نبتت براعم جديدة من الجذع، كما لو أن قوة الأرض نفسها كانت تحافظ عليه. وفقًا للأساطير، كان لهذا الشجر اتصال فريد بالطبيعة، وكانت أغصانه تحمل قوة استثنائية. تحكي إحدى القصص عن حطاب صنع آلة موسيقية من إحدى هذه الأغصان، ويُقال إنها تمتلك خصائص سحرية. لسوء الحظ، لم يستطع سامي تذكر التفاصيل، لكنه غرق أكثر فأكثر في ذكرياته. هل يمكن أن تكون هذه الشجرة موجودة حتى الآن؟ وإذا كانت كذلك، فهل يمكن أن تساعده في هزيمة التنين؟

في صباح اليوم التالي، بدأ سامي البحث بين الممتلكات القديمة التي ورثها عن جده الأكبر. في صندوق مغبر، وجد أوراقًا صفراء مختلفة. من بينها خريطة مرسومة يدويًا تقود إلى أعماق الغابة، إلى منطقة خالية حيث كانت الشجرة الساقطة. تضمنت الخريطة ملاحظة كتبها جده الأكبر:
“الأغصان تسقط فقط أثناء اكتمال القمر!”

أدرك سامي أن اكتمال القمر القادم يقترب بسرعة. دون تردد، قرر البحث عن الشجرة.
تحت ضوء القمر في المساء، انطلق سامي إلى الغابة، ممسكًا بالخريطة بإحكام في يده. كانت الغابة صامتة، وظلال الأشجار تلقي بأشكال غريبة على الطريق. قادته الخريطة أعمق وأعمق داخل الغابة حتى وصل أخيرًا إلى منطقة خالية. في وسط المنطقة، كانت الشجرة الساقطة. كان جذعها الضخم مستلقيًا على الأرض، لكن من جذعها كانت تنبت براعم خضراء نابضة بالحياة، كما لو أن الزمن لم يؤثر عليها. كانت الفروع الجديدة تتوهج بخفة تحت ضوء القمر.
عندما دقت الساعة منتصف الليل، بدأت الشجرة ترتجف قليلاً. تردد صوت تشقق ناعم، وسقط غصن واحد على الأرض. التقطه سامي بعناية. كان الغصن خفيفًا ولكنه صلب، وشعر مادته بأنها قوية وغريبة بشكل غير مألوف.

أعاد سامي الغصن إلى ورشته وبدأ العمل عليه. بعناية ودقة كبيرتين، بدأ بنحته، مع الانتباه لكل حركة. صنع منه نايًا – آلة موسيقية لا تضاهى في الجمال والرقي. عندما انتهى منه وعزف عليه لأول مرة، كان صوت الناي استثنائيًا. بدا وكأنه يحيي الغابة نفسها. همس الرياح، خرير الجدول، ولحن غامض امتزجوا معًا في صوت لا يمكن وصفه بالكلمات.

شعر سامي أن هذا الناي يحمل أهمية كبيرة. كان يثق بأنه مع هذه الآلة الموسيقية، يمكنه مواجهة التنين وإنقاذ الأطفال.
في صباح اليوم التالي، عند الفجر، انطلق سامي حاملاً الناي السحري في يده. كان يعلم أن كهف التنين يقع في أعماق الغابة، حيث تكون الأشجار كثيفة جدًا بحيث لا يمكن لأشعة الشمس أن تخترقها، مكان لا يجرؤ سكان القرية على الذهاب إليه. في ورشته، جهز حقيبة بسيطة وضع فيها الماء وبعض الخبز والخريطة. ممسكًا بالناي بالقرب منه، بدأ رحلته.
مع توغل سامي أعمق في الغابة، استُبدلت أصوات الطيور المألوفة بأصوات غريبة وبعيدة: صرير، همسات خافتة، وكأنها تأتي من الأرض نفسها. بين الحين والآخر، كانت رائحة الكبريت المنبعثة من أنفاس التنين تتسلل عبر الأشجار الكثيفة، مما يجعله يدرك أنه يقترب.

أخيرًا، وصل سامي إلى أظلم جزء من الغابة. أمامه ارتفع جرف ضخم، وعند قاعدته برز مدخل كهف عملاق مقوس. كان الهواء الساخن يخرج من الكهف، حاملاً معه رائحة الكبريت المميزة. كانت الأرض حول المدخل مشوهة بعلامات مخالب ضخمة، وهنا وهناك، تناثرت جذوع الأشجار المحترقة كأنها آثار منسية.
تقدم سامي بحذر إلى ظلام الكهف. ومع توغله أكثر إلى الداخل، اتسع المكان تدريجيًا حتى وجد نفسه في كهف واسع. في مركزه كان التنين مستلقيًا، وقشوره تتلألأ في ضوء النار المتراقص داخل الكهف وكأنها مصنوعة من المعدن والأحجار الكريمة.
كان التنين مستلقيًا بلا حراك، لكن سامي شعر بنظراته عليه. فتحت إحدى عيني التنين قليلاً، وحدقت نظراته الثاقبة في الفتى.
– ماذا تفعل هنا، أيها البشري؟! – زمجر التنين، صوته العميق والخشن يتردد صداه في جميع أنحاء الكهف.
لم يقل سامي شيئًا. أمسك الناي بإحكام، وبيدين مرتعشتين، قربه إلى شفتيه. كان يعلم أنه لا مجال للعودة.

عزف سامي على الناي، ولم تكن الموسيقى جميلة فحسب، بل حملت أيضًا طاقة غريبة وقوية، كما لو أنها تنفخ الحياة في الكهف بأكمله. غضب التنين، فرد جناحيه الضخمين وملأ الكهف بزئير عميق ومدوٍ. ومع ذلك، لم تتوقف الموسيقى. وبينما استمرت النغمة، تباطأت حركات التنين. وفي النهاية، انهار الكائن العظيم على أرضية الكهف وأغلقت عيناه ببطء. الموسيقى جعلته يغفو.

تقدم سامي بحذر أعمق في الكهف. كان الهواء مشبعًا برائحة الكبريت الثقيلة، لكنه لم يعرها اهتمامًا—كان تركيزه الوحيد على العثور على الأطفال.
لم يضطر للبحث طويلًا. في أعماق الكهف وقفت قفص حديدي ضخم، وداخلها كان أطفال القرية متجمعين معًا. كانت الخوف مرتسمة على وجوههم، وبعضهم يراقب بقلق من خلف القضبان، يحاولون رؤية ما يحدث.

عندما رأوا سامي، أضاءت وجوههم بالارتياح والفرح.
اقترب وهمس بلطف: "أنا هنا لأعيدكم إلى المنزل!"
كانت القفص مغلقًا بقفل كبير. نظر سامي حوله ورأى مفتاحًا صدئًا موضوعًا على حجر بالقرب من القفص. بدا أن التنين تركه هناك ببساطة.
التقط سامي المفتاح وتوقف للحظة لينظر إلى الخلف، متأكدًا أن التنين ما زال نائمًا. ثم أدخل المفتاح في القفل وأداره. انفتح القفل بصوت خافت.
– بسرعة، اخرجوا! – همس للأطفال بينما فتح باب القفص. واحدًا تلو الآخر، خرج الأطفال مرتجفين لكن سالمين.

أشار سامي لهم ليتبعوه. – ابقوا هادئين وابقوا قريبين مني! – قال بنبرة ناعمة ولكن حازمة. اصطف الأطفال خلفه أثناء تقدمهم نحو مدخل الكهف، كل خطوة مصحوبة بنظرات عصبية نحو التنين النائم.
أخيرًا، وصلوا إلى فم الكهف. التفت سامي إلى الأطفال وقال: – الآن، سأعيدكم إلى القرية! – قادهم عبر مسارات الغابة، عائدًا إلى المنزل ومعه الأطفال الذين تم إنقاذهم بأمان.
عندما عاد سامي إلى القرية مع الأطفال، استقبلهم الآباء بالفرح والدموع. احتضنت الأمهات أطفالهن بقوة، وهللّت القرية بأكملها.

– سامي، لقد أنقذت أطفالنا! – هتفوا وهم يحيطون به.
بدأ احتفال عفوي في ساحة القرية، حيث عبّر الجميع عن امتنانهم للنجار المتواضع.
وصل رسول من الملك قريبًا وقدم لسامي كيسًا كبيرًا من الذهب. – هذه مكافأة الملك على شجاعتك وإنقاذك للأطفال.
قبل سامي المكافأة والتفت إلى القرويين. – أقدم لكم هذا الذهب لكي يكون للأطفال طعام يأكلونه، ملابس يرتدونها، وألا يعانوا أبدًا مرة أخرى.
تم توزيع الذهب بين الآباء، وامتلأت القرية مرة أخرى بالضحك. عاد سامي إلى ورشته لمواصلة صناعة الألعاب والأثاث، كما كان يفعل دائمًا. لم يسعَ وراء الشهرة أو المجد.

ومع ذلك، لم ينسَ الناس أبدًا ما فعله من أجلهم. تم تناقل قصة سامي من جيل إلى جيل، وستظل القرية تتذكر النجار الذي أنقذ أطفالهم إلى الأبد.